من الطبيعي والشائع للمدن أن تخلد ذكراها لفترة أطول من أطلالها. تعرف طروادة، وبابل والكثير من المدن في العالم الآن في الكتب فقط، في حين لا يوجد حجر واحد منها في مكانه ليشير إلى أماكنها. ولكن هنا في وسط البادية السورية لدينا مدينة تدمر التي لا تزال حاضرة إلى الآن. متروكة بقدر جيد بما فيه الكفاية لرواية قصصها الخاصة.”
حيث يلاحظ بذكاء، المهارة والمستوى المبهر في بناء تدمر القديمة الذي يعطي الناظرعلى أطلالها معجزة في القدرة على الصمود في وجه الإضطرابات على مدار حقب متعددة، مع الإستمرار في كونها دليلاً على الثقافة غير العادية التي شكلت عاصمة هذه الواحة.
وعندما يتجول الزائر بين أطلالها سينبهر بحجم الآثار القائمة فيوجد فيها أعمدة، معابد وقلاع، ليوقن سريعاً بأن المدينة كانت ضخمة ومزدهرة بشكل أكبر مما أن يتخيله أحد خلال فترة ازدهارها وذروتها.
مع إن معالمها اليوم قد تغيرت وتبقَّى لنا منها فقط أطلالا شامخة في بحر لا ينتهي من الرمال، إلا أن صيت تدمر قد أؤرخ ضمن أدبيات قديمة كالنصوص الطينية الآشورية وحتى عبر قصص الإسرائيليات وفصول سفر التكوين الوارد بالعهد القديم.
فذُكرت تدمُر بأنها مدينة الأعمدة المذهلة، الفريدة من نوعها، وبأنها مدينة متألقة ببنائها، وتمتلك واحدة من أفضل الصروح المعمارية الهجينة التي تمزج بين الأسس الرومانية، اليونانية مع العمارة المعروفة في منطقة جنوب حوض المتوسط.
وفي الختام ما نتفق عليه جميعنا هو أن تدمر كانت بالفعل مدينة تجارية مزدهرة تتربع على واحد من أهم طرق العالم القديم التجارية، مما منح نخبتها الحاكمة والغنية القدرة المالية الضخمة ليقوموا بالاستثمار في الهندسة المعمارية ذات التقنيات المعقدة والمتمازجة.
ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم كانت المدينة مفتاحاً ومقياساً يعبر عن قوة المدينة وعن قيمتها وقدرتها. حيث ساعدت عمارة تدمر وتاريخ سكانها في تطوير المدينة وانتشار صيتها كأبرزالمدن وأهمها في محيط حوض المتوسط.
ومما نفهمه من هذا التمازج المعماري لأثار المدينة أن تدمر لم تكن مدينة أحادية الثقافة بل تبعاً لعمارتها تبدو مجتمعاً متنوعاً ثقافياً، ورغم ذلك التنوع فإن بناء المدينة بأعمدتها ومسرحها ومعابدها ومدافنها قد كان بالفعل شيء فريداً عن أي بناء تم أكتشافه منذ الاف السنين