ما تزال الميليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري ترسل تعزيزات وأرتالاً عسكرية إلى البادية السورية، رغم تعرضها لعدد كبير من الهجمات، تبنى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بعضا منها، بينما سجل معظمها ضد مجهولين.
أصبحت البادية السورية مسرحا لعمليات تنظيم “الدولة الإسلامية”، وموطنا جديدا لخلاياه، وثقبا أسودا يبتلع أرتال وعناصر ميليشيات نظام الأسد والإيرانيين، ولم تفلح تلك القوات خلال أشهر كثيرة في التعامل مع عناصر التنظيم الذين يتخفون في ثنايا الصحراء.
وفي ظل الحملات العسكرية التي يطلقها النظام والميليشيات الإيرانية وبغطاء جوي من الاحتلال الروسي، وعجزهم عن إنهاء الهجمات التي يتعرضون لها، جعل “داعش” المنطقة الواقعة بين محطة الـ كم “T2” وبادية جبل البشري جنوبي محافظة الرقة وصولا إلى محيط مدينتي السخنة وتدمر في عمق البادية السورية، منطقة عالية الخطورة بالنسبة للنظام والميليشيات الإيرانية، الأمر الذي دفع الناشطون لإطلاق لقب “مثلث برمودا” عليها.
عشرات القتلى والجرحى من النظام والميليشيات الإيرانية
أسفرت معارك الكر والفر بين عناصر تنظيم “الدولة” من جهة وقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية من جهة أخرى في البادية السورية، إلى مقتل وجرح وفقدان العشرات من عناصر النظام والميليشيات الموالية له، دون معرفة حجم خسائر “داعش”.
وخلال شهر حزيران 2022 شن عناصر تنظيم “الدولة” أكثر من عشر هجمات على عناصر النظام السوري والميليشيات الإيرانية في البادية السورية، أسفرت عن مقتل وجرح وفقدان أكثر من 70 عنصرا من النظام والميليشيات الإيرانية.
وفي أحدث هجمات تنظيم الدولة قالت مصادر محلية لـ “شبكة تدمر الإخبارية” إن مجهولين هاجموا رتلا عسكريا لميلشيا “فاطميون” 2 تموز 2022، قرب مدينة السخنة شرقي محافظة حمص، ما أدى لمقتل ثلاثة عنصر وجرح ثلاثة آخرين، بينما فقد عنصرين يرجح أنهم وقعوا في الأسر.
كما قتل وجرح سبعة عناصر من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، نتيجة هجوم جديد لتنظيم “الدولة”، على موقع عسكري للميليشيات في بادية جبل البشري قرب الحدود الإدارية بين محافظتي الرقة ودير الزور، مستغلين حالة الطقس جراء حدوث عاصفة غبارية في المنطقة.
ومن أبرز الهجمات التي تعرض لها النظام والميليشيات الإيرانية، كان هجوم مجهولين على حافلة تقل عناصر من قوات النظام، أسفرت عن مقتل أكثر من 14 عنصرا منهم، في 20 حزيران 2022، ليعلن تنظيم “الدولة” في اليوم التالي مسؤوليته عن الهجوم.
تعزيزات وحملات عسكرية متكررة للنظام والميليشيات الإيرانية
ومع ازياد هجمات تنظيم “الدولة” ضد النظام والميليشيات الإيرانية في البادية السورية، وخسارتهما عدد كبير من عناصرهم بين قتيل وجرح، وانخفاض الروح القتالية لعناصر آخرين، تستمر الميليشيات الإيرانية وقوات النظام وبغطاء من الاحتلال الروسي من شن حملات تمشيط في البادية، في محاولة لإنهاء وجود التنظيم.
وقالت مصادر محلية لـ “شبكة تدمر الإخبارية” إن ميليشيا “فاطميون” جلبت تعزيزات عسكرية من مدينة حمص نحو تدمر، وتتألف من 25 عنصرا و5 سيارات عسكرية مزودة برشاشات ثقيلة، للمشاركة في حملات تمشيط البادية السورية التي أطلقتها الميليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري ضد تنظيم “الدولة”.
إلى ذلك تستعد ميليشيات إيرانية وعراقية لإطلاق حملة عسكرية جديدة ضد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في البادية السورية.
وقالت مصادر إعلامية إن تعزيزات عسكرية للميليشيات الإيرانية والعراقية وصلت إلى البادية السورية قادمة من العراق، لافتة أن التعزيزات تضم سيارات دفع رباعي ومعدات لوجستية وآليات
وأضافت المصادر أن الحملة العسكرية في البادية السورية ستكون مشتركة بين ميليشيا “الحشد الشعبي العراقي” و”الحرس الثوري الإيراني”، وهدف الحملة إيصال المناطق الخاضعة لسيطرتها ببعضها.
وأشارت المصادر أن التعزيزات تمركزت قرب مدينتي تدمر والسخنة في ريف حمص، وبتنسيق مسبق مع مليشيا “حزب الله اللبناني” و”حركة النجباء” و”لواء فاطميون”، وسط استنفار أمني وعسكري للمليشيات وقوات النظام.
وأفادت المصادر بأن العملية سبقها اجتماع بين قيادات من “الحشد الشعبي” العراقي وقيادات من “الحرس الثوري الإيراني” بهدف التنسيق المشترك بين المليشيات لتأمين الطرق البرية من العراق إلى سوريا والعكس للإمدادات العسكرية والزوار الإيرانيين للمنطقة.
وقالت المصادر إن ميليشيا “كتائب الإمام علي” التابعة لـ “الحرس الثوري الإيراني” أنشأت خمس نقاط عسكرية جديدة في محيط مدينة تدمر ووسط البادية السورية.
وسبق هذه الاستعدادات حملة عسكرية أطلقتها الميليشيات الإيرانية رفقة قوات النظام ضد خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” من محور من مدينة تدمر ومحور من مدينة السخنة بريف حمص وصولا إلى بادية أثريا شرقي حماة.
كما أطلقت قوات النظام السوري والميليشيات الموالية له بإشراف ضباط روس، حملة تمشيط جديدة للبحث عن خلايا “داعش” في البادية السورية، حيث جاءت الحملة بطلب روسي، ويديرها ضباط من الشرطة العسكرية الروسية، المتمركزين في قاعدة مطار “الطبقة” العسكري بريف الرقة الغربي.
وحشد النظام والميليشيات قواتهم على طريق حمص- الرقة وبلدة معدان عتيق، حيث تستهدف حملة التمشيط كل من جبل البشري والرصافة والمكمان في بادية محافظة الرقة.
وتتزامن هذا التعزيزات والحملات العسكرية مع تحليق مستمر للطائرات الحربية التابعة للنظام وروسيا، إضافة إلى قصف جوي متكرر يستهدف مواقع يتوارى بها عناصر تنظيم “داعش”.
اعتقالات وإغراءات للمتخوفين من المشاركة في معارك البادية
أكثر ما يثير قلق قادة قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية، هو هروب وانشقاق بعض عناصرهم، وتخلف آخرين عن الحملات العسكرية، إضافة إلى رفض العناصر الالتحاق بالعمليات العسكرية، ما دفع بعض القادة لشن حملة اعتقالات لبعض عناصرهم، بينما آخرين حاولوا كسب ود العناصر من خلال الإغراء بالمال.
أحالت قيادة ميليشيا لواء القدس” في حلب شمالي سوريا أكثر من 18 عنصرا تابعين لها إلى السجن، من أجل التحقيق معهم على خلفية رفضهم الأوامر، وهي الالتحاق بالمجموعات التابعة لها في البادية، وفي محيط منطقة السخنة ودير الزور للتمشيط ومحاربة خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية”.
في حين خاطب قائد ميليشيا “لواء القدس” محمد السعيد ود من بقي من عناصره، حيث منح المتطوعين راتبا شهريا إضافيا كمكافأة على ثباتهم ومشاركتهم في العمليات العسكرية بالبادية السورية.
ولم يكن “لواء القدس” الوحيد الذي اعتقل عناصره، حيث دهمت دوريات تابعة لأمن ميليشيا “الحرس الثوري الإيراني” 24 حزيران 2022، أحد المزارع التي تتخذها ميليشيا “الفوج 47” التابع لـ “الحرس الثوري” واعتقلت 8 عناصر محليين وساقتهم إلى أحد سجونها في مدينة البوكمال، بعد رفضهم المشاركة في حملات تمشيط بادية البوكمال الأخيرة.
كذلك دهمت دورية مماثلة مؤلفة من 4 سيارات مزرعة في قرية الحمدان بريف البوكمال واعتقلت عددا من العناصر أيضا، بتهمة رفضهم الخروج بحملة تمشيط بادية البوكمال والتي أطلقتها الميليشيات الإيرانية.
ويرى مراقبون أن عمليات التمشيط للبحث عن خلايا “تنظيم الدولة” غير مجدية، إذ باتت قوات النظام والميليشيات الإيرانية شبه عاجزة أمام الخلايا المتنقلة للتنظيم التي تتحرك على طول وعرض البادية السورية.
وتشكل البادية نحو نصف مساحة سورية، وتتوزع إداريا على محافظات عدة، هي: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، السويداء، كما أنها مهمة لجميع الأطراف الفاعلة على الجغرافية السورية، كونها تضم العديد من حقول وآبار الغاز، إضافة إلى حقول فوسفات والتي تعد ثروة لا تقل أهمية عن الغاز.