بقلم: نفثاتُ مكلومٍ
سكّانُ اَلأرضِ يتناسلونَ ويتزايدونَ بشكلٍ يثيرُ قلقَ المخطِّطينَ، وهلعَ السِّياسيِّينَ، وكَلَبَ المسعورينَ المجرمينَ، وكراهيةَ العنصريِّينَ المتعالينَ على غيرِهم من شعوبِ الأَرضِ، هذه الأَرضُ التي هيَّأَها اللهُ -جلَّت قدرتُه- لاستيعابِ ما ذرأَ فيها من مخلوقاتٍ، ويسَّرَ لهذه المخلوقاتِ أَسبابَ معاشَها، وسبلَ رزِقِها، والغريبُ أَن بعضَ أَعداءِ الحياةِ يتباكونَ على مصيرِ الأَرضِ، وأَنَّها لم تعدْ تتَّسعُ لمن سيُولدونَ في قادمِ الأَيّامِ.
أَيَّةُ قلوبٍ رحيمةٍ تلكَ التي يحملونَها؟!، وأَيَّةُ مشاعرَ إِنسانيَّةٍ تلكَ التي يبثّونَها؟!، هؤلاءِ هم من يشنُّونَ الحروبِ في مشارقِ الأَرضِ ومغاربِها، وهم من يقتلونَ باسمِ الإِنسانيَّةِ، ومحاربةِ الإِرهابِ، وهم من يزيِّفونَ الحقائقِ، ويشوِّهونَ الجمالَ الإِنسانيَّ، فكم من حروبٍ افتعلوها، وكم من جرائمَ ارتكبوها!، ثمَّ تبيَّنَ بعدَ عقودٍ من الزَّمنِ أَنَّ ما قالوه وأَشاعوه كانَ مجرَّدَ أَكاذيبَ وأَلاعيبَ، وأَنَّ كلَّ ما زخرفوه هو خططٌ مدروسةٌ، ونوايا خبيثةٌ لقتلِ الشُّعوبِ، وسرقةِ خيراتِها، فالقتلُ عندَ هذا الصِّنفِ المتوحِّشِ هوايةٌ مقدَّسةٌ، فكم من دولٍ ظالمةٍ متجبِّرةٍ تقتلُ باسمِ الدِّينِ، وباسمِ الحضارةِ والإِنسانيَّةِ، وهم براءٌ من كلِّ هذه الشِّعاراتِ الجوفاءِ.
تقولُ التَّقاريرُ العالميَّةُ أَنَّ عددَ سكّانِ العالمِ قد وصلَ إِلى حدودِ: /7/ ملياراتٍ في سنةِ: /2011/، وأَنَّ شبحَ التَّكاثرِ السُّكّانيِّ يقلقُ بعضَ المجتمعاتِ التي أَصبحَ غالبيَّةُ سكّانِها من الطَّاعنينَ في السِّنِّ، ولذلكَ يحاولونَ تقليصَ عددِ السّكّانِ في مناطقَ مخصوصةٍ، لأَنَّها تشكِّلُ خطراً عليهم مستقبلاً، وخاصَّةً في فلسطينَ والدُّولِ المحيطةِ بها، فقد جاءَ في أَحدِ تقاريرِ الجزيرةِ: ((ولا يمكنُ الفصلُ بينَ الإِفصاحِ عن هذه الإِحصائيّاتِ ومشاريعِ قوانينِ الضَّمِّ والتَّوسُّعِ و: (صفقةِ القرنِ) التي تحرِّكُها الإِدارةُ الأَميركيَّةُ، حسبَ: (تفكجي)، الذي رجَّحَ في حديثِه للجزيرةِ: (نت) أَنَّ التَّوقيتَ لنشرِ مثلِ هذه البياناتِ يشيرُ إِلى وجودِ صفقةٍ لتقليلِ عددِ الفلسطينيِّينَ بكلِّ السُّبلِ المتاحةِ، وذلكَ لضمانِ وتثبيتِ مشروعِ يهوديَّةِ الدَّولةِ عبرَ تبادلِ الأَراضي والسُّكَانِ، وضمِّ المستوطناتِ…)). “1”
وهذه السِّياساتُ تستندُ إِلى موروثٍ دينيٍّ يحضُّ على كراهيةِ الآخرينَ وقتْلِهم، والتَّخلُّصِ منهم بأَيَّةِ طريقةٍ كانت، فما هم بنظرِهم إِلاَّ مخلوقاتٌ وُجدت من أَجلِ خدمتِهم، وهذا ما يفعلُه المستوطنونَ في فلسطينَ، حيثُ يعملونَ على تنفيذِ: (خطَّةِ الحسمِ) للقضاءِ على سكّانِ فلسطين:
((يتظاهرُ الكيانُ الإِسرائيليُّ بأَنَّه دائماً يجنحُ إِلى السِّلمِ في القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ، وأَنَّ الفلسطينيِّينَ هم دائماً من يعرقلون مشروعَ السَّلامِ… وتحثُّ التَّوراةُ والتَّلمودُ اليهودَ على شنِّ الحربِ على البلادِ المجاورةِ لهم بسببٍ، وبغيرِ سببٍ، وفقاً لما وردَ في كتابِ: (شريعة الحربِ عندَ اليهودِ)، للدَّكتورِ حسن ظاظا، أُستاذ الدِّراساتِ الإِسرائيليَّةِ، والسَّيِّدِ محمَّد عاشور…
وأَوضحت: “هآرتس” أَنَّ: (خطَّةَ الحسمِ) التي أَعلنها: (سموتريتش)، تضمنُ ثلاثَ خياراتٍ للفلسطينيِّين، وهي: إِمّا مغادرةُ الفلسطينيِّينَ البلادَ، أَو القبولُ بحكمِ إِسرائيلَ والعيشُ كطبقةٍ دنيا تخدمُ اليهودَ وفقاً لـــ: (الهلاخاه: الشَّريعةِ اليهوديَّةِ)، أَو الحربُ، وقتلُ الأُسرِ والنِّساءِ والأَطفالِ…)). “2”
وهذه السَّياساتُ التي تعتمدُها إِسرائيلُ في فلسطينَ، هي ذاتُها التي تُنفَّذُ بأيدي عملائِها في المنطقةِ، الذينَ يقومونَ بالحفاظِ على حدودِ إِسرائيلَ وأَمنِها، وهم يقومونَ بشنِّ الحروبِ بدلاً عنها، فحربُ حزبِ اللهِ مع الكيانِ الصِّهيونيِّ كانَ مؤامرةً للقضاءِ على المقاومةِ وتهجيرِ سكّانِ القرى القريبةِ من الحدودِ وتدميرِها، ومن ذلكَ ما فعلتْه قوّاتُ النِّظامِ السُّوريِّ في القضاءِ على المقاومةِ الفلسطينيَّةِ في لبنانِ:
((مجزرةُ تلِّ الزَّعترِ: /1976م/: مخيَّمٌ فلسطينيٌّ، جاءَ التَّدخُّلُ والدَّعمُ من الجيشِ السُّوريِّ… ودخلته الكتائبُ اللبنانيَّةُ تحتَ غطاءِ حليفِها الجيشِ السُّوريِّ، وارتكبت فيه أَفظعُ الجرائمِ… ووصلَ عددُ قتلى مخيَّمِ تلِّ الزَّعترِ إِلى: /3000 شخص/… مجزرة صبرا وشاتيلا الأولى عام: /1982/، إذ قامَ شارون – وزيرُ الدِّفاع الإِسرائيليُّ – بنقلِ: /200/ مقاتلٍ من ميليشيا القوّاتِ اللبنانيَّةِ بقيادةِ: (إِيلي حبيقة) لاقتحامِ مخيَّمي صبرا وشاتيلا… الجديرُ بالذِّكرِ هنا أَنَّه بعدَ ذلكَ كانَ إِيلي حبيقة على قوائمِ حزبِ اللهِ في الانتخاباتِ البرلمانيَّةِ… أَنقذَ تدخُّلُ الجيشِ السُّوريِّ الكتائبَ المارونيَّةَ من هزيمةٍ محقَّقةٍ، كما حجَّمَ دورَ منظَّمةِ التَّحريرِ الفلسطينيَّةِ والقوى الوطنيَّةِ من أَهلِ السُّنَّةِ… وتمَّ توجيهُ أَوامرَ للضُّبّاطِ الشِّيعةِ بالتَّخلِّي عن الجيشِ العربيِّ بقيادةِ: (أَحمد الخطيب)، كما تخلَّت حركةُ: (أَمل) عن الحركةِ الوطنيَّةِ… وتمَّ تأمينُ حدودِ إِسرائيلَ الشَّماليَّةِ، حيث صُفِّيت المقاومةُ الفلسطينيَّةُ عبرَ عدَّةِ مجازرَ قامت بها الميليشيات المسيحيَّة والشِّيعيَّةُ لاحقاً بمساندةِ النِّظامِ السُّوريِّ… رئيسُ وزراءِ العدوِّ الصّهيونيِّ إِسحق رابين: إِنَّ إِسرائيلَ لا تجدُ سبباً يدعوها لمنعِ الجيشِ السُّوريِّ من التَّوغُّلِ في لبنانَ، فهذا الجيشُ يهاجمُ الفلسطينيِّينَ… ويجبُ علينا أَلاَّ نزعجَ القوّاتِ السُّوريَّةَ أَثناءَ قتالِها للفلسطينيِّين، فهي تقومُ بمهمَّةٍ لا تخفى نتائجُها الحسنةُ بالنَّسبةِ لنا…)). “3”
هذه الحروبُ التي تضربُ المنطقةَ، والجرائمُ التي تُرتكبُ بحقِّ شعوبِها هي سلسلةٌ من تلكَ المؤامراتِ التي يقومُ بها عملاءُ إِسرائيلَ في منطقتِنا العربيّةِ، فها هي لبنانُ ممزَّقةٌ بعدَ القضاءِ على المقاومةِ فيها، وهيمنةِ حزبِ اللهِ على لبنانَ، وحمايةِ حدودِ إِسرائيلَ، وها اليمنُ تُدمَّرُ على أيدي الفرسِ وأَذنابِهم، وها هي العراقُ أَصبحت لقمةً سائغةً بفمِ الوحشِ الفارسيِّ الذي يوجِّهُ أَداتَه حزبَ اللهِ في لبنانَ ، ويبطشُ بيدِه الحوثيَّةِ الآثمةِ في اليمنِ، وها هي الشَّامُ قد صارت فوضى وخراباً على أَيدي النُّصيريَّةِ أَذنابِ المجوسِ وميليشياتِ إِيرانِ الدَّمويَّةِ، فقد أَصبحَ أَهلُ الشَّامِ ما بينَ مقتولٍ وأَسيرٍ، وما بينَ مهجَّرٍ ومهاجرٍ، وما بينَ مشرَّدٍ ومتسوِّلٍ يستجدي سارقيه وقاتليه، وها هي المدنُ والقُرى تعيثُ فيها المليشياتُ الإِيرانيَّةُ كما يحلو لها، وإِسرائيلُ ترى وتباركُ لإِيرانَ تدميرَها بلادَ العربِ، والقادمُ أَدهى وأَمرُّ، ولا ندري على من سيكونُ الدَّورُ، فأَنظارُ إِيرانَ تتَّجهُ إِلى الأَردنِّ والخليجِ العربيِّ، فكلُّ ما تريدُه إِسرائيلُ يُنفَّذُ على أَيدي إِيرانِ وعملائِها، وهي سعيدةٌ بمشاهدِ القتلِ والخرابِ، وقد أَطلقت أَيدي المجوسِ في بلادِنا، وكلُّ ما يُقالُ في الإِعلامِ عن عداواتٍ وخلافاتٍ بينَ إِسرائيلَ وإِيرانَ هو مجرَّدُ خزعبلاتٍ وتمثيليّاتٍ على الشُّعوبِ، فهم أَعداءٌ في الظّاهرِ، وحلفاءُ وأَحبابٌ في الباطنِ، والحكّامُ العربُ هم أَدواتُ هذا التَّخريبِ، ومهمَّتُهم الأَساسيَّةُ هي حمايةُ حدودِ إِسرائيلَ، وتنفيذُ ما تريدُ من دونِ أَيَّةِ مناقشةٍ، أَو إِظهارِ أَيِّ انزعاجٍ وامتعاضٍ، فمن تبدرُ منه بادرةُ شكٍّ وارتيابٍ، أَو همسةُ لومٍ وعتابٍ لإِسرائيلَ، فإِنَّ مصيرَه معلومٌ، وأَمرُه منهيٌّ محتومٌ، وسيُرمى به في مزابلِ التّاريخِ بإِشارةٍ من أَسيادِه الذينَ جاؤوا به من مستنقعاتِ الهوانِ والعمالةِ، ولمَّعوه ودعموه، وأَمدُّوه بكلِّ وسائلِ التَّمكينِ، وحكَّموه برقابِ الشُّعوبِ، فمن كانَ هذا شأنَه، فما عليه إِلاَّ أَن يكونَ عاملاً أَجيراً ذليلاً تحتَ أَقدامِ مشغِّليه، وإِذا حاصَ ولاصَ، فما أَسهلَ التَّخلُّصَ منه والخلاصَ، فهو أَحقرُ عندَهم من نعلٍ مهترئٍ، ومن عقبِ سيجارٍ يُرمى ويداسُ عليه، فهل من معتبرٍ لما يُحاكُ ويُدبَّرُ لكم أَيُّها المتسلِّطونَ على رقابِ الشُّعوبِ؟!:
لقد أَسْـمَعْتَ لو ناديتَ حيّـاً ولكنْ لا حياةَ لمن تُنادي
——————————–
1- مقالٌ بعنوانِ: (فلسطين التّاريخيَّة… صراع الأرض والسُّكّان) – بقلمِ: محمد محسن وتد- القدس المحتلَّة، موقع الجزيرةِ – الرّابط: (https://www.aljazeera.net/…/reportsandinter…/2018/3/30//)
2- مقالٌ بعنوانِ: ((التَّوراةُ شريعة حرب، متطرِّفو إِسرائيل يعلنونَ: خطَّة الحسم لإِبادةِ فلسطين)) – بقلم: سيِّد خميس، موقع جريدةِ الوطنِ- الرّابط: (https://www.elwatannews.com/).
3- مقالٌ بعنوانِ: (التدخل العسكري لحافظ الأسد في لبنان والتنسيق الأمريكي الإسرائيلي) – أَحمد أَرسلان- رابط المقال -(https://islamicsham.org/nashrah/3241) مجلَّة نورِ الشّام- السَّنة السّادسة: /1438هـ/ العدد الرّابع والأَربعون/- جمادى الثّاني: /1438هـ : آذار 2017م/.