الوحوشُ الأُسطوريَّةُ معروفةٌ منذُ القديمِ، في كلِّ الثَّقافاتِ والحضاراتِ، وهي مرسومةٌ ومحفورةٌ على الأَوراقِ والصُّخورِ، وهي أَشْبهُ ما تكونُ بكائناتٍ مُركَّبةٍ من الإِنسانِ والحيوانِ والطُّيورِ والزَّواحفِ، وغيرِ ذلكَ من الأَشياءِ التي تبعثُ على الرُّعْبِ والخوفِ في قلوبِ النَّاسِ، ومن الوحوشِ الخرافيَّةِ المتعطِّشةِ إِلى سفكِ دماءِ الضَّحايا، ذلكَ الوحْشُ الفارسيُّ الذي يسمُّونَه: (المانتيكور: المردخوار)، وصورتُه تقشعرُّ منها الأَبدانُ، وتختلُّ منها الأَذهانُ وتُصْرَعُ، بسببِ بشاعةِ منْظرِها المركَّبِ من البشرِ والحيوانِ والطيَّرِ والزَّواحفِ.
وقد وصفَه المؤرِّخونَ بأَنَّه الوحشُ المتعطِّشُ للدِّماءِ، وعندَه شهيَّةٌ نهمةٌ للجسدِ البشريِّ، وتعني كلمةُ: (المانيتكور: آكلي لحومِ البشرِ)، وذكروا أَنَّ شكْلَه مرعبٌ مخيفٌ، فهو يتمثَّلُ بجسدِ أَسدٍ، ورأْسِ إِنسانٍ، وثلاثةِ صفوفٍ من الأَسنانِ الحادَّةِ كالمناشيرِ، وله فمٌ ممتدٌّ من الأُذنِ إِلى الأُذنِ الأُخرى، وله عيونٌ رماديَّةٌ، أَمَّا ذيلُه فهو كذيلِ العقربِ أَو التِّنِّينِ، وفي نهايتِه كتلةٌ من الأَشواكِ القويَّةِ المملوءةِ بالسُّمومِ التي يفرِّغُها في أَجسادِ ضحاياه البشريَّةِ قبلَ التهامِها.
هذا الوحشُ الأُسطوريُّ نراه اليومَ ماثلاً أَمامَنا، ونجدُه واقعاً ملموساً، فها هي وحوشُ إِيرانُ المتوحِّشةُ، المتعطِّشةُ للدِّماءِ تجوبُ بلادَنا العربيَّةَ، وتسرحُ وتمرحُ كما يحلو لها، ترتكبُ أَبشعَ المجازرِ التي لم يعرفْ لها التَّاريخُ مثيلاً، ولم تستطعْ وسائلُ الإِعلامِ الحديثةُ أَن تستوعبَ قذارتَـها وخطورتَـها، وأَن تحيطَ بتعقيداتِ تلكَ الوحوشِ المانيتكوريَّةِ، وتركيباتِها المعقَّدةِ التي تربَّت ونشأَت وترعرعت على رؤيةِ مشاهدِ الدِّماءِ والغدرِ والجريمةِ، وعلى مبادىءِ الثَّأرِ والانتقامِ من الأَعداءِ، والأَعداءُ في نظرِهم هم العربُ، من السُّنَّةِ والشِّيعةِ، فالعربُ السُّنَّةُ في عقيدةِ تلكَ الوحوشِ يعتمدُ على مقولةِ: (اقتلِ السُّنَّة، وادخلِ الجنَّة)، أَمَّا العربُ الشِّيعةُ فهم أَدواتٌ وخدمٌ يستعملونَهم في قتلِ إِخوتِهم من العربِ السُّنَّةِ، فهم يكرهونَ العربَ سنَّةً وشيعةً، ولكنَّه أَتقنوا اللعبةَ، وجعلوا الانتقامَ من العربِ بالعربِ، وهو أَن يقتلَ العربيُّ أَخاه العربيَّ، وها هم العربُ الشِّيعةُ اليومَ يقاتلونَ مع الوحشِ الفارسيِّ، وهذا الوحشُ لا يتورَّعُ عن قتلِ الشِّيعةِ أَنفسِهم عندما يقفونَ في وجهِ وحشيَّتِه ودمويَّتِه، أَو عندما يحاولونَ الفرارِ من بينَ مخالبِه وأَنيابِه المتشوِّقةِ المتكالبةِ على الدَّمِ العربيِّ، فالفرْسُ المجوسُ اليومَ يحتلُّونَ بلادَنا باسمِ الدِّينِ، ويصرخون ويستصرخون عصاباتِهم للثَّأرِ والانتقامِ، ويسرقونَ ثرواتِ البلادِ، وينتهكونَ العرضَ والحرماتِ، ويسبُّونَ الصَّحابةَ وأَمَّهاتِ المؤمنينَ، ويُهلكون الحرثَ والنَّسلَ، ويحرقونَ الأَخضرَ واليابسَ، وينقضُّونَ على الحجرِ والشَّجرِ والبشرِ، فمن اليمنِ السَّعيدِ إِلى عراقِ المجدِ والكرامةِ، إِلى لبنانِ الثَّقافةِ والعلمِ، إِلى الشَّامِ الشَّريفِ، أَرضِ المحشرِ والمنشرِ، ها هم ينتشرونَ، ويأتونَ من كلِّ أَقاصي الأَرضِ ومغاربِها، والعالمُ كلُّه يباركُ جهودَهم في تدميرِ هذه الأُمَّةِ لإِرجاعِها مئاتِ السِّنينَ إِلى الوراءِ، وهذه هي مهمَّةُ: (المانتيكورُ الفارسيُّ)، وهو مكلَّفٌ بها من قبلِ إِسرائيلَ وحلفائِها لدرءِ الأَخطارِ عنها وعنهم -كما يُشاعُ- ولإِشغالِ المنطقةِ بحروبٍ بينيَّةٍ، وتقسيمِ المقسَّمِ، وتجزئةِ المجزَّأِ، وكلُّ ذلكَ في سبيلِ إِرضاءِ إِسرائيلَ المدلَّلةِ، وإِيرانُ في هذه العمالةِ الدَّنيئةِ، والمصالحِ المشتركةِ تمثِّلُ يدَ البطشِ والغدرِ في المنطقةِ، فهي تضْربُ عصفورينِ بحجرٍ واحدةٍ، فهي قد أَمِنَت جانبَ إِسرائيلَ، وضمنت دعْمَها، ومباركةَ حلفائِها، وهي من ناحيةٍ أُخرى تتمدَّدُ في بلادِنا، وتسيطرُ على مقدَّراتِ البلادِ وثرواتِها، وكلُّ هذا يصبُّ في مصلحةِ الاقتصادِ الإِيرانيِّ ونهوضِه.
إِنَّ إِيرانَ سرطانُ خبيثٌ، وورمٌ ودمَّلةٌ يجبُ على العربِ قاطبةً أَن يقفوا في وجهِ مشاريعِها الاستعماريَّةِ، وطموحاتِها الإِمبراطوريَّةِ، وأَحلامِها التَّوسُّعيَّةِ الفارسيَّةِ في استعادةِ أَمجادِها، واستردادِ إِرثِها البائدِ، وعلينا أَلاَّ ننسى تحالفَ اليهودِ منذُ فجرِ التَّاريخِ مع الفُرْسِ.
ومن صورِ هذا التَّعاونِ عودةُ خمسينَ أَلفاً من اليهودِ تنفيذاً لأَمرِ الملكِ الفارسيِّ: (كورش) الذي احتلَّ الإِمبراطوريَّةَ البابليَّةَ سنةَ /538 ق.م/، حيثُ عادوا إِلى أَرضِ الميعادِ -كما يقولون- بقيادةِ اليهوديِّ: (زروبابل)، وبعدَ أَقلّ من قرنٍ قادَ: (عزرا الكاتبُ) العودةَ الثَّانيةَ، وكانَ اليهودُ يتمتَّعونَ بدرجاتٍ متفاوتةٍ من الحكمِ الذَّاتيِّ تحتَ حكمِ الفرسِ، وتحتَ حكمِ الهيلينيِّين.
ولقد سمحَ الفرسُ لليهودِ بالعودةِ وبناءِ الهيكلِ، وكانَ ذلكَ عن طريقِ اليهوديَّةِ: (أَستير) التي خطَّطت ونفَّذت مع ابنِ عمِّها: (مردخاي)، واسمُ: (أَستير) يعني باللغةِ الفارسيَّةِ: (نجماً أَو كوكباً)، أَمَّا اسمُها في اللغةِ العبريَّةِ، فهو: (هاداسا)، ويعني: (زهرةُ الرَّيحانِ).
و: (أَستير) هي زوجةُ الملكِ الفارسيِّ: (خشايارشا(، وكانت قد أَمضت حياتَها بينَ المنفيّين اليهودِ في بلادِ فارسَ، حيثُ عاشت تحتَ حمايةِ ابنِ عمِّها: (مردخاي) من قبيلةِ: (بنيامين(، الذي كانَ قد تمَّ احتجازُه مع: (يهويا كين) من قبلِ الملكِ: (نبوخذ نصر الثّاني ملكِ بابل)، فأَصْبحَ: (مردخاي) رئيسَ وزراءِ الملكِ: (خشايارشا الأَوَّل(، بمساعدةِ: (أَستير) ابنةِ عمِّه، وزوجةِ الملكِ.
ضريح: (أَستير ومردخاي) في همدان بإِيران
ونظرًا للارتباطِ التَّاريخيِّ الكبيرِ بينَ التّاريخِ الفارسيِّ واليهوديِّ، فإِنَّهم يُطلقونَ على اليهودِ الفارسيِّين في العصرِ الحديثِ اسمَ: (أَطفالَ أَستير). وهناكَ مبنىً يشاعُ على أَنَّه قبرُ: (أَستير ومردخاي) في همدانَ بإِيران، على الرَّغمِ من أَنَّ قريةَ: (كفار برعام) في شمالِ إِسرائيلَ تَدَّعي أَيضاً أَنَّها مكانُ دفنِ الملكةِ: (أَستير). “1”
فهل بعدَ هذا التَّعاونِ التَّاريخيِّ الوثيقِ من مجالٍ لمشكِّكٍ أَو مدافعٍ عن طموحاتِ إِيرانِ، وعن سعيِها الحثيثِ في تدميرِ أُمَّتِنا، وسرقةِ خيراتِها، واستعبادِ شعوبِها وإِذلالِهم، إِنَّ من لا يدركُ هذا الأَمرَ، ولا يرى خطورتَه، ولا يعي كارثيَّتَه لهو أَشبهُ بكائنٍ يعيشُ للأَكلِ والشَّربِ، وهو أَقربُ إِلى الأَنعامِ، بل هو أَضلُّ منها.
بقلم: نفثات مكلوم
……………………………..
1- المعلومات التَّاريحيّةُ من موسوعة: (ويكيبيديا): https://ar.wikipedia.org/